الشخص
مقدمة
يعتبر الشخص حاصل جمع السمات المميزة للفرد الذي ما هو إلا كيان سوسيو-سيكولوجي متشابه مع الآخرين.ورغم تعدد وتنوع بل وتعارض الحالات النفسية التي يمر منها الشخص طيلة حياته إلا أن كل واحد منا يحيل باستمرار إلى نفسه بضمير "أنا" بوصفه هوية تظل مطابقة لذاتها على الدوام. غير أن هذه الهوية التي تبدو بديهية تطرح مع ذلك أسئلة عديدة.
هل تقوم هوية الشخص على الوحدة والتطابق أم على التعدد والتغير؟
المحور الأول: الشخص والهوية.
يبدو واضحا أن تحديد هوية الشخص استنادا على المظهر الخارجي للشخص أو حتى على مجموع مميزاته سواء المتعلقة بالجنس والعمر والعمل ...ضربا من ضروب المستحيل لكون كل هذه الاعتبارات متغيرة وبالتالي غير قارة وثابة.
ولهذا السبب كانت ضرورة مقاربة هذه الهوية من خلال ما هو قار وثابت في الشخص باعتباره نظاما.
حسب لاشوليي المحدد الرئيسي للشخص هو هويته،أي تطابقه مع ذاته وبالتالي تميزه عن غيره. أما وحدته النفسية عبر جل مراحل حياته فهي الضامن لهذه الهوية،لأنهما ليستا نتاجا تلقائيا،بقدر ما أنهما نتاج لآليات ربط وهي آليات نفسية تقوم بمهمة السهر على وحدة الشخص وتطابقه.أولها وحدة الطبع أو السمة العامة للشخصية في مواقفها وردود فعلها تجاه الآخرين.وعلى هذا النحو يرى لاشوليي أن كل من وحدة الطبع أو السمة العامة للشخصية هي ضمان هويتها إلى جانب الذاكرة التي اعتبرها آلية ضرورية لربط حاضر الشخص بماضيه القريب أو البعيد.
أما ديكارت فيذهب إلى تأكيد أهمية الفكر في بناء الشخصية وفهم حقيقتها، فالفكر صفة تخص الذات الإنسانية وهي وحدها لصيقة بها. والتفكير هو الشرط الضروري للوجود.
إذن أساس هوية الشخص هو التفكير الذي يعتبر مناسبة لحضور الذات أمام نفسها وإدراكها إدراكا مباشرا لكل ما يصدر عنها من أفعال والتي تبقى رغم تعددها واحدة وثابتة.
لكن جون لوك يعطي تعريفا للشخص باعتباره ذلك الكائن المفكر والعاقل القادر على التعقل والتأمل حيثما كان وأنى كان ومهما تغيرت الظروف، وذلك عن طريق الشعور الذي يكون لديه عن أفعاله الخاصة وبشكل مستمر دون حدوث أي تغير في جوهر الذات، فاقتران الشعور بالفكر على نحو دائم هو ما يكسب الشخص هويته ويجعله يبقى دائما هو هو، باعتباره كائنا عاقلا يتذكرأفعاله وأفكاره التي صدرت عنه في الماضي وهو نفسه الذي يدركها في الحاضر.
إن مفهوم الشخص حسب جون لوك يتخذ عنده بعدا أخلاقيا /قانونيا، فالشخص الذي يتحدث عنه لوك هو ذاك الكائن المفكر الذي يعقل ذاته وأفعاله مهما تغيرت الظروف وتوالت الأزمان، وبالتالي يكون عن طريق الوعي مسؤولا مسؤولية قانونية عن كل ما يصدر عنه من أفعال. من هنا فأساس هوية الشخص حسب جون لوك هو الشعور الذي يجعل الإنسان يدرك ذاته ويبني معرفته بذاته على نحو دائم فيصبح الشخص إثرها هو هو رغم ما يلحقه من تغير. والذاكرة التي هي امتداد للشعور عبر.
المحور الثاني:الشخص بوصفه قيمة.
لا يختلف اثنان عن أن الإنسان كائن مميز بين كل الكائنات الأخرى ،فهو الكائن الأكثر جدلا كما جاء في القرآن الكريم(ولقد صرفنا في هذا الكتاب من كل شيء وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) وميزته تكمن في مدى بعده القيمي الذي حظي به. لكن أين تكمن قيمته؟هل تكمن في كونه غاية أم أنه لا يعدو يكون مجرد وسيلة؟
في هذا الصدد يختزل مونييه تصوره للشخص ككيان يتميز بالإرادة والوعي والتجاوز بخلاف الأشياء الخارجية أو الموضوعات التي هي كائنات متطابقة كليا مع ذاتها.وهو يكتسب باستمرار سمات شخصيته ويغنيها عبر عملية التشخصن.فالشخص ليس معطى نهائيا ناجزا بل هو عملية اكتساب ومراكمة مستمرة لسماته الخاصة.
يذهب كانط إلى تأكيد أهمية الشخص كذات لعقل أخلاقي عملي، يعامل الآخرين لا كوسائل يحقق من ورائها أغراضه الخاصة، وإنما كغايات بذاتها. فالإنسان يتميز داخل نظام الطبيعة عن باقي الكائنات الأخرى بامتلاكه لملكة الفهم، وقد استطاع أن يرسم لذاته غايات وأهدافا مشروطة بنداء الواجب الأخلاقي .فيمكنه أن يتخذ من الأشياء وسائل يستخدمها لتحقيق أغراضه لكن ليس من حقه أن يعامل الأشخاص كوسائل ذاتية نفعية، لأن الإنسان أوالذات البشرية هي غاية في ذاتها وليست وسيلة لتحقيق أغراض الآخرين، وهذا ما يمنحه قيمة داخلية مطلقة ويكسبه احتراما لذاته ويمتلك بذلك كرامته الإنسانية.
أما هيجل فيكشف عن القيمة الأخلاقية للشخص التي لا يمكنها أن تتحقق إلا داخل حياة المجموع، فكل شخص حسب هيجل وانطلاقا من المكانة التي يحتله اداخل الجماعة التي ينتمي إليها عليه الالتزام بواجباته والقيام بدوره والمهام التي أسندت له ... إنها دعوة للانفتاح على الواقع والآخرين من خلال علاقة جدلية أساسها التأثير والتأثر ومعيارها يكمن في السلوك الأخلاقي الذي يصدر عن كل شخص امتثالا للواجب الأخلاقي.
فالشخص يكتسب قيمته الأخلاقية حسب هيجل عندما يعي ذاته وحريته وينفتح على الواقع الذي ينتمي إليه بالدخول مع الجماعة في علاقة تعاون متبادلة امتثالا للواجب.
المحور الثالث: الشخص بين الضرورة والحرية.
إذا كانت قيمة الشخص تكمن في بعده العملي الأخلاقي أكثر من أي شيء آخر، فهل يعتبر الشخص كيانا حرا مستقلا عن أي إلزام أو إكراه، أم أنه خاضع لضرورات وحتميات لا سبيل لديه للانفلات من رقابتها؟
يرى ديدرو أن الشخص لا يملك الحرية،وأن هذه الأخيرة لا معنى لها لأن الموجه الفعلي لأعمالنا هي الأسباب الفيزيائية الخارجة عن ذواتنا التي ترغمنا للضرورة وليست الحرية.وعلى هذا النحو تكون أفعالنا نتاجا لعاداتنا الأمر الذي يجعلنا نخلط بين الإرادة والحرية.فليست الحرية ما يميز بين الناس،بل إن ما يميز بينهم هو الإحسان أو الإساءة،وهما طبعان لا يمكن تغييرهما لدى الإنسان.
ويذهب سبينوزا إلى اعتبار أن ما يميز الشخص عن باقي الكائنات الأخرى،هو سعيه للحفاظ على بقائه واستمراره،وهو سعي يتأسس على الإرادة الحرة.وليست الحرية هنا بمعنى الجواز،بل إنها تقترن بالفضيلة والكمال،وليس بالعجز أو الضعف،وفق ما تقتضيه قوانين الطبيعة الإنسانية من قدرة على استخدام العقل للتمييز بين الخير والشر،وتفضيل الأول على الثاني.
أما سارتر فينطلق من تقرير أن ماهية الإنسان لا تتحدد قبل وجوده، بل يوجد أولا ثم بعد ذلك يصنع بنفسه ما يشاء، فالإنسان في نظره مشروع يتميز بالتعالي على وضعيته لا بانغلاقه على كينونته، بل ينفتح على العالم وعلى الآخرين.فان ذل هذا فإنما يذل عن مدى قدرته على موضعة ذاته في المستقبل.
فماهية الإنسان لاتتحدد حسب سارتر إلا من خلال وجوده وحياته وأفعاله واختياراته وعلاقاته، يوجد أولا ويلاقي ذاته وهو غير حامل لأية صفات أو ماهية قبلية. إنه شخص حر ومسؤول عن أفعاله واختياراته، فهو حر حرية مطلقة غير مقيدة بموانع وإكراهات.
خاتمة:
وكتخريج عام يلاحظ أن التصورات الحديثة ركزت على اعتبار الشخص ذاتا مستقلة،ومتميزة،ينظر إليها كغاية في ذاتها وكحرية،وليس كبضاعة أو وسيلة وذلك في مقابل التصورات التشييئية للشخص التي كانت انعكاسا لمخلفات الرأسمالية الامبريالية .
-------------------------------------------
تقديم اخر:
يتحدد الشخص في السياق الفلسفي باعتباره الفرد الذي تنسب له مسؤولية أفعاله الصادرة عنه، كما أنه يأخذ قيمة خاصة عندما ينظر اليه كذات واعية و حرة و مسؤولة ذات كرامة، نعني ذاتها و قيمتها الأخلاقية، من هنا نطرح السؤال التالي :
كيف تتحدد قيمة الشخص، هل باعتباره ذاتا أخلاقية في تعامله مع الآخرين؟ أم أنه ذات معزولة و متعارضة معهم؟.
تصور كانط : العقل أساس قيمة الشخص و كرامته.
ذهب كانط في تصوره لقيمة الشخص إلى القول أن الإنسان هو أكثر من مجرد طبيعي، إنه ذات لعقل عملي أخلاقي يستمد منه كرامته، أي قيمة داخلية مطلقة تتجاوز كل تقويم أو سعر، وما دام هذا العقل ومقتضياته كونيا، فإن الإنسانية جمعاء تحمل داخل كل فرد مما يستوجب احترامه و معاملته كغاية لا كوسيلة، و النظر إليه كما لو كان عينة تختزل الإنسانية جمعاء. و هذا الإحترام الواجب له من طرف الغير لا ينفصل عن ذلك الاحترام الذي يجب للإنسان تجاه نفسه، إذ لا ينبغي له أن يتخلى عن كرامته، بل يجب عليه دائما أن يحافظ على الوعي بالخاصية السامية لتكوينه الأخلاقي الذي يدخل ضمن مفهوم الفضيلة.
و على هذا الأساس، فمهمة الإنسان لا تكمن في تقبل الحالة الواقعة، وانما في تجاوز الواقع، فالعقل ينبغي أن يتحكم في الواقع و يحكمه، فهو لا يخضع بقدر ما أنه يخضع. كما أن هناك رباطا أساسيا بين العقل و الحرية، لكن الحرية هنا ليست رفض كل ضرورة و إلزام، إنها خضوع للقانون، أي القانون الداخلي للعقل. وفي مجال هذا القانون الأخلاقي يكون الإنسان قانون نفسه، إنه مجال الأوطونوميا الذي يرفض خضوع العقل لما كان يعتبر أوثانث تحده و تحد من حريته. صحيح أن هناك ميادين يعمل فيها العقل بكل حرية مثل العلوم و الصنائع، و لكن هناك مجالات أخرى لا يكون فيها إعمال الفكر حرا، لذا يقوم كانط ضد هذه المجالات، و سيرفض لأخلاقه أن تؤسس على الدين أو أن تكون خضوعا لأوامر خارجية.
هكذا فإذا كان الإنسان يعامل نفسه كغاية بالذات، فواضح أنه لا يمكن الاقتصار على اعتباره خاضعا للقانون، وإنما يجب أن يكون أيضا مانع القانون، و متى كان هذا القانون صادرا عن العقل، كان واحدا عند جميع الموجودات العاقلة و كانت هذه الموجودات بمثابة عالم معقول، أي اتحاد منظم خاضع لقوانين مشتركة.
كتب كانط هذه الأفكار في " أسس ميتافزيقا الأخلاق" في القرن 18، و صحيح أن القرن العشرين شهد تحسنا كبيرا للوضع البشري، لكن عرف في المقابل أزمات و كوارث انسانية خطيرة كالحروب و التطهير العرقي، مما جعل التفكير الفلسفي يعاود مجددا طرح السؤال حول قيمة الكائن البشري بالشكل الذي أكدته بنود اتفاقية حقوق الإنسان. إن هذا الوضع البشري المأساوي، جعل الفيلسوف الأمريكي طوم ريغان يؤكد أن التأسيس الكانطي لقيمة الشخص غير كاف، و حجته في ذلك أننا ملزمون باحترام القيمة المطلقة لكائنات بشرية إير عاقلة مثل الأطفال و المجانين و غيرهم. و عليه فإن الخاصية الحاسمة و المشتركة بين الكائنات البشرية ليست هي العقل، بل كونهم كائنات حاسة أيضا.
و لإبراز و توضيح هذا التصور، يؤكد توم ريغان أن التصور الكانطي بالرغم من أنه عميق و قيم فإنه لا يخلو من تناقصات و مفارقات لخصها في سؤال كبير هو :
- ماهي الكائنات البشرية التي تستحق صفة الشخص؟
يجيب ريغان بالقول أن البويضة المخصبة حديثا و المرضى الذين دخلو حالة الغيبوبة الدائمة يظلون بشرا، لكنهم ليسوا أشخاصا وفق التعريف الكانطي، و نفس الحكم ينسحب أيضا على الرضع والأطفال حتى سن معينة، هذا إضافة إلى كل الكائنات البشرية التي تفتقد للقدرات الفكرية التي بموجبها يعرف كانط الشخص البشري، إن كل هؤلاء يفتقدون الحق في الاحترام. هكذا فالانسان ليس كائنا عاقلا فحسب، بل كائن حاس يستشعر حياته أيضا.
تصور امانويل مونييي :
يؤكد المذهب الشخصاني الذي يتزعمه ايمانويل مونييي أن للشخص قيمة مطلقة، فهو صاحب المركز الأسمى في الكون. و تتمثل هذه القيمة في خروج الشخص من ذاته و الانفتاح على الآخرين، أي على المجتمع، وهنا لابد للشخص أن يتمتع بالحرية الداخلية و الحرية الخارجية أيضا.
وعلى هذا الأساس يعتبر مونييي الشخص قيمة و غاية في حد ذاته وليس مجرد موضوع خارجي أي شيء مادي، و تتحدد هذه القيمة في مايلي :
أولا : أن الشخص لا يمكن أبدا أن يعتبر وسيلة بالنسبة لشخص آخر أو مجموعة أخرى.
ثانيا : يكون القانون الإجتماعي ظالما عندما يعتبر الأشخاص مواضيع قابلة للتبادل أو التجنيد و ممارسة الإكراهات و العنف ضدهم.
ثالثا : ليست مهمة المجتمع باعتباره نظاما شرعيا و قانونيا و اجتماعيا و اقتصاديا، لا أن يخضع الأشخاص ولا أن يضطلع بتطوير نزعاتهم، و لكن ان يضمن لهم الحماية و الأمن و أوقات الفراغ و اللعب و مساعدتهم على بلوغ الحرية من خلال تربية تأخذ بعين الاعتبار الشخص كغاية في حد ذاته.
تصور هيجل :
يرى التصور الهيجيلي أن القيمة الأخلاقية للشخص لا يمكنها أن تتحقق إلا داخل حياة المجموع، فكل شخص حسب هيجل، وانطلاقا من المكانة التي يحتلها داخل الجماعة التي ينتمي اليها، عليه الإلتزام بواجباته و القيام بدوره و المهام التي اسندت اليه، انها دعوة للإنفتاح على الآخرين و على الواقع من خلال علاقة جدلية أساسها التأثير و التأثر، و معيارها يكمن في السلوك الأخلاقي الذي يصدر عن شخص امتثالا للواجب الأخلاقي.
فالشخص حينما ينخرط في روح شعبه، يصبح مشاركا و مساهما و منخرطا في الروح العامة لشعبه التي تظهر في حضارته بكل قيمها و فنونها و مؤسستها، وهذا يكتسب وجود الشخص كونية شعبه.
هكذا، لا يكتسب الأفراد أي قيمة الا حينما يمتثلون لروح شعوبهم و يختصون بمهمة داخل حياة المجموع، وتكون هذه المهمة قائمة على اختيار حر الفرد.
ومن جهة أخرى، يرى هيجل أن إضفاء صنعة كونية على الفرد يتم من خلال التربية التي تعلمه ما يصلح أخلاقيا للجميع، و تربيه على الغايات العامة للمجتمع كالخير والحق والواجب.
تصور راولز :
تقوم نظرية العدالة عند راولز على فكرة مفادها أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، قادر على المشاركة في الحياة الاجتماعية و لعب دور معين فيها. فقيمة الشخص تكمن في كونه مواطنا، و جميع الأشخاص هم مواطنون أحرارا وأندادا، بفضل كفاءاتهم العقلية و الأخلاقية.
وفي هذا الإطار، ينتقد راولز في كتابه نظرية العدالة تصور النفعيين الذين لا يهتمون بالحريات الأصلية للأفراد، و يؤكد أن هذه الحريات لا يمكن بيعها و شراؤها، ولا يمكن التضحية بها إذا تعارضت مع النفع العام. و هنا لابد للنظام الاجتماعي مراعاة الحقوق العامة للأفراد، و يذكر منها حق التعبير و حق العمل و حق الإجتماع و حق الملكية و حق الحماية من الأعتقال و السجن التعسفيين.
و من جهة أخرى، يؤكد أن العدالة الإجتماعية تقتضي توزيع الخيرات على جميع المواطنين بشكل عادل، على أساس أن جميع هذه الخيرات ملك لجميع الأفراد، و جميع الأفراد ساهموا في حصول هذه الخيرات.
هكذا تعتبر الخيرات كلها غير موروثة، فهي مكتسبة و قابلة للتداول، ذلك أن المجتمع العادل يضمن لكل من ينتمي إليه حريات مدنية لا يمكن المساس بها، و تضمن له أن يبلغ ما يشاء من الدرجات.
موقف غوسدورف :
يرى جورج غوسدورف أن معرفة الذات لا تحقق بمجرد النظر إلى أنفسنا و التأمل فيها، إنها لا تتحقق إلا بواسطة العالم وفي العالم، لذلك نجده يقيم تقابلا بين الفرد باعتباره يعني ذاته و الشخص الذي يكتمل مع الآخر و يكتسب قيمته داخل الجماعة.
فالكمال الشخصي حسب غوسدورف لا يتحدد في مجال الوجود الفردي المستقل، بل يتحقق في مجال التعايش و داخل المجموعة البشرية، و انفتاح الذات الفردية على الكون و تقبل الآخر.
المحور الثالث- الشخص بين الدرورة و الحرية
الطرح الإشكالي للمحور
يمكن أن يتعرض وجود الشخص في علاقته بالجماعة أوبالأخرين إلى نوع من الإستلاب أو التشيء بسبب الضرورة التي يفرضها المجتمع على أفراد فالفرد يبدو سجين منضومه من القيم والعلاقة التي تحد من أفاقه وتطلعاته الشخصية .
إذن، و امام هذا الوضع يمكننا الإفصاح عن الطبيعة الإشكلية لهذا المفهوم كالتالي:
هل الشخص ذات حرة فيما يصدر منه من أفعال أم أن هناك حتميات تنقى حريته مشروطة بها ؟
بعبارة أخرى : هل يعني أنه لا مكان للحرية في حياة الشخص ؟أم أن حرية الشخص هي حرية في حدود الذي يختاره؟
* موقف سبينوزا :
-ينتقد سبينوزا التصور العامي الذي يعتبر الانسان حرا في اختياراته،فاعلا وفق مشيئته ،و يتولد هذا الوهم الشائع عن وعي الناس بأفعالهم و رغباتهم وجهلهم بالاسباب الالحقيقية المحددة لأفعالهم.
وكما يقول " فإن الناس يعوون حقا رغباتهم لكنهم يجهلون العلل الخفية التي تدفعهم إلى الرغبة في هذا الموضوع أو ذاك ...." ومن هذا المنطلق ينتقد كل حرية إنسانية خارج عما هو طبيعي .
موقف سيجموند فرويد
ويبدوا أن العلوم النسانية المعاصرة تقدم دلائل إضافية داعمة للتصور الحتمي السنينوزي فالتحليل النفسي الذي يعتبر سيجمون فرويد رائه الأول يرى البناء النفسي للشخصية كنتيجة حتمية لخبرات مرحلت الطفولة .كما أن كثير
من الأنشطة الإنسانية تحركها دوافع الهو الاشعوري ذات الطبعة الجنسية ويقوم هذا التصور على مجموعة من الاسس و المبادئ، يمكن تركزها في:
-إعتبار السنوات الاولى من حيات الفرد الإنساني فيما يتعلق بنموه الوجداني لاحق وبتالي في تكوني شخصيته .
- إفتراض وجود قوة تتحكم في معظم سلوكات الفرد، وهي قوة الاشعور ودالك من خلال ماتمارسه الغرائز والنزوات المكبوتة التي يزج بها في غياب الا شعورمن ضغوط وديناميكية سعي منها الى الإرتواء والإشباع .
-الطابع الجنسي لهذه الدوافع التي تحرك سلوكات الفرد والتي عبر عنها فرويد ب البيدو........
-الهو ويمثل القوة الأصلية ،ويرمز الى مجموع الرغابات والدوافع الطبيعية والمكبوتة التي تتحكم فيها غريزة الحياة ........وغريزة الموت ............
هذا الهو الذي يعبر عنه نيتشه (( وراء أفكار وشعورك يختفي سيد مجهول يريك سبيل ،إسمه الهو في جسمك يسكن، بل هو جسمك، وصوابه أصوب
من صواب حكمتك ))
إضاءة
أما بنسبة لعلماء الإجتماع والأنثربولوجي فإن طبقات مهمة في الشخصية لاتعدو أن تكون سوى إنعكاسات للشخصية الأساسية للمجتمع أو الشخصية الوضيفية لجماعات الإنتماء.
بحيث يمكن القول معى دوركايم أنه كلما تكلم الفرد أوحكم ،فالمجتمع هو الذي يتكلم أو يحكم من خلاله . وإذا كانت التنشئة الاج تزود الفرد بعناصر من ثقافة المجتمع ،فإن هذه الثقافة بدورها حسب التحليل ماركسي ليست سوى إنعكاس للبيئة الحتمية المستقلة عن وعي الذوات ،لأن الوجود المادي هو الذي يحدد الوعي لاالعكس.
إنطلاقا مما سبق يمكن أن نستنتج من هاد الموقف فكرة أساسية مفادها هو إختفاء الإنسان أو موته كما أعلنت البنيوية لأن البنيات النفسية الإجتماعية اللغوية ... هي الت تتفعل وليس الذات أو الفرد.
موقف مونيي
يرى مونيي لأن الشخص هو منبع جميع القيم، وهوى في الأصل حركة نحوى الغير ولا يحقق وجوده مع الأخرين إلا في إطار الفعل المتجدد .
في حرية الشخص في ذاته وهي مشروطة بالوضع الواقعي له ،وهي لاتتحدد إلا عندما يتجه الإنسان نحوى التحرر في إطار التشخص أي خروج بالذات من عزلتها وفرديتها والإتجاه نحوى الشخص عبر الإنفتاح على الأخرين والتواصل معهم وتحمل مصائرهم وألامهم بكل حرية.
إنها إدن حرية منظمة ومطلوبة بنداء الإنسانية في الحرية الحقة حسب مونيي هي الحرية الملتزمة ، لأنها تحترم الغير ومشروطة باحترام القيم و الوصع الواقعي للإنسان ،إلا أن هذا الوضع المشروط لا يعني الخضوع للضرورة .
موقف جان بول سارتر
تعتبر الفلسفة الوجودية لدى سارتر فلسفة الدفاع عن حرية الإختيار المطلق للإنسان مقابل النزعة الموضوعية التي تبرز مشروطية الحرية الإنسانية بظروف والمحددات الوراثية والإجتماعية والإقتصادية واللغوية ...حيث يرى أن وجود الإنسان يسبق ماهيته ،أي أن ماهيته لا تتحدد إلا من خلال وجودها ،وحياته وأفعاله واختيارته وعلاقاته الامتناهية معنى ذالك أنه يشكل ذاته وهويته في ضوء مايختاره لنفسه بوضعه مشروعا .فليس الإنسان كما يتصور ذاته فحسب، بل كما يريد أن يكون في نظر الغير لوصفه شخصا ، ومن هنا نفهم تصريح سارتر بأن الإنسان مشروع في سماء الممكنات محكوم عليه بان يكون حرا وبأن الإنسان ليس شيأ أخر غير مايصنع بنفسه .